بقلم: أفكار الخرادلى
توصف المرأة دائما بأنها مخلوق ضعيف وقدراتها محدودة ولا تصلح للقيام بالعديد من الأعمال التي يجب أن تكون مقصورة علي الرجل. ولكن في المقابل يطلب منها المحيطون بها أن تكون لها قوة الصخر وأن تتحمل كل المصاعب دون شكوي،
وتلقي عليها معظم الأعباء التي تحتاج إلي أكثر من واحدة لتقوم بها. كل هذا وكأن المرأة ليس لها جهاز عصبي مثل الرجل.
أو كأنها لا تحس أو تشعر وتتفاعل مع ما يحدث لها أو أمامها أو حولها أو في بيتها أو من زوجها أو من رئيسها في العمل أو مرؤوسيها.
أليس من حق المرأة أن تنفعل وأن تغضب؟ أليس الغضب حقا لنا جميعا, وليس عيبا أو نقصا؟
وإذا كان الغضب مسألة طبيعية لدي الرجل, فلماذا ننتقص من المرأة عندما تغضب وننعتها بأسوأ الصفات,ونقول إنها كائن ناقص تتصرف بما لا يجب أن تقوم به.
وقد يتصور البعض أن ذلك أمر يخصنا نحن أهل الشرق حيث الأعراف والتقاليد المجتمعية التي رسخت في أذهان الجميع أن المرأة دون الرجل في كل شيء. ولكن ما أن قرأت ما توصل إليه عالمان أمريكيان متخصصان في علم النفس من أنه من الأفضل للنساء سواء ترشحن لرئاسة الجمهورية أو تقدمن لوظيفة عادية ألا يغضبن وذلك لأن الغضب ليس في مصلحتهن وهو أمر يثير الدهشة والحيرة والغضب في الوقت نفسه أن نجد الأفكار ذاتها في الولايات المتحدة الأمريكية, وكأن العقلية ذاتها تشتغل ضد المرأة وضد طموحها, وضد تطور نظرة المجتمع إليها.
فللأسف كما جاء في نتائج دراسة العالمين وهما امرأة من جامعة بيل ورجل من جامعة نورث ويسترن أن الناس يتقبلون غضب الرجال, بل قد يكافئونهم لأنهم يعتبرونهم أصحاب كرامة أو يخشونهم ولكنهم يرون أن المرأة الغاضبة غير كفء,
وأنها تخسر وظيفتها أيا كان موقعها إذا هي أظهرت غضبها. والمؤسف أن الدراسة أكدت أن الرجال والنساء معا يوافقون علي أن الرجال الغاضبين يستحقون أكثر من النساء مواقع أفضل وراتبا أعلي. وتنصح الدراسة المرأة بأن تحافظ علي هدوئها أو أن تفسر ما تسبب في غضبها بأسرع ما يمكن حتي لا تفهم خطأ. أليس الغضب فعلا إنسانيا يطال المرأة والرجل معا؟ وهو رد فعل إيجابي علي شيء أو أشياء وقعت.
صحيح أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال في حديث نبوي لا تغضب وأن الغضب يؤثر سلبا علي القلب لما يتبعه من انفعال وتوتر, ولكن هذا لا يعني أن تذبح المرأة أو تعاقب لأنها غضبت.
والرسول الكريم أوصي الجميع وليس المرأة فقط بألا تغضب لأن حديثه الذي رواه البخاري موجه للمسلمين والمسلمات وليس للنساء دون الرجال.
والواقع أن المرأة أكثر سيطرة علي غضبها من الرجل, فهي تداري وتكتم كثيرا كي تدير بيتها وأسرتها وأطفالها. وأحيانا تضرب ويستولي علي راتبها وتخان وتهان ويتحرش بها و... و... إلي آخر سلسلة النيل منها ومع ذلك تظل كاظمة غيظها, صابرة مثابرة لا تبوح حتي لأمها أو أبيها أو شقيقها أو شقيقتها كي لا تهدم بيتها, إنها بلغة أولاد البلد تريد أن تعيش ومع ذلك نستكثر عليها الغضب.
هي تصاب بكثير من الأمراض نتيجة غضبها المكتوم غير المعلن, لأنها لا تنفس عن نفسها كي ترتاح, وهي التي تعلم أن تكرار الغضب يقصر من عمر الإنسان.
إن المرأة تكاد تكون الكائن الأوحد علي هذه الأرض الذي يضبط نفسه, ويتجنب الغضب قدر الإمكان ربما لأنها تدرك أنها لو غضبت فسيعقب غضبها كثير من القرارات التي قد تقوض وتدمر وتظل طوال الوقت تعمل بقاعدة:
إذا غضب أحدكم فليسكت ولذا فإن المرأة أيضا هي أطول كائن حي علي هذه الأرض يسكت عن أشياء لا يمكن ـ بأية حال من الأحوال ـ السكوت عنها أو عليها. لأنها تدرك أن الغضب يغير السلوك.
إنها في أغلب الأحيان مثال للهدوء والاتزان كأنها خلقت لتمتص الانفعال والغضب, لعلمها أن الغضب عدو العقل, وأن الحليم لا يعرف إلا ساعة الغضب, وأن الأحلام ليست في حال الرضا وإنما في حال الغضب, ولذا فهي تقهر غضبها ومع ذلك لا يجوز للرجال حتي لو كانوا باحثين وعلماء من الغرب أو الأمريكان أن يطالبوها بألا تنفعل أو تغضب كي تظل جميلة وفاتنة وعاقلة في أعين الرجال, وحتي لا ينقص ذلك من قدرها.
إن المرأة تحسن إدارة نفسها ساعة الغضب وفي غيرها من الأوقات وأنها تهدأ وتقنع ومن السهل أن ترضي وتعرف كيف تعالج الأمور, وكيف تتعامل مع المحيطين بها بحكمة وحنكة وخبرة من صقلته الحياة مبكرا وتقبل الصفح والاعتذار والعفو,
وتتأسف إذا أخطأت, ونادرا ما تركب رأسها وتغض الطرف كثيرا بل وطويلا. إذ هي تحاول دوما أن تصلح ما يحاول الرجال إفساده أو بمعني أدق وأكثر صراحة تدميره.
إن الغضب رفيق الإنسان طوال حياته, ولا يجوز أن نمارس تمييزا ضد المرأة حتي في غضبها,
حتي لا تكون الكراهية ساطعة ضد المرأة لمجرد أنها ـ فقط ـ امرأة.
فمادامت المرأة ـ إذا غضبت ـ لا تفقد صوابها أو عقلها أو بصيرتها فلنحترم سلوكها لأنه طبيعي وناتج عن نفس بشرية سوية, تتألم وتتوجع وتفرح وتحزن وتضج وتثور وتغضب.