طلحة بن عبيد الله

إنه الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله‏.‏ وهو أحد العشرة الذين بشرهم الرسول بالجنة‏,‏ وأحد الثمانية الذين سبقوا إلي الإسلام‏,‏ وأحد الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليكون منهم خليفة المسلمين‏.‏
قصة إسلامه‏:‏ كان طلحة قد سافر إلي أرض بصري بالشام في تجارة له‏,‏ وبينما هو في السوق سمع راهبا في صومعته يقول‏:‏ سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم؟ فذهب إليه طلحة‏,‏ وقال له‏:‏ نعم أنا‏,‏ فقال الراهب‏:‏ هل ظهر أحمد؟ قال طلحة‏:‏ من أحمد‏:‏ قال الراهب‏:‏ ابن عبدالله بن عبدالمطلب‏,‏ هذا شهره الذي يخرج فيه‏,‏ وهو آخر الأنبياء‏,‏ ومخرجه من الحرم‏,‏ ومهاجره إلي نخل وحرة ويباخ‏(‏ يقصدالمدينة المنورة‏),‏ فإياك أن تسبق إليه‏.‏
فوقع كلام الراهب في قلب طلحة‏,‏ ورجع سريعا إلي مكة وسأل أهلها‏:‏ هل كان من حدث؟ قالوا نعم‏,‏ محمد الأمين تنبأ‏,‏ وقد تبعه ابن أبي قحافة‏,‏ فذهب طلحة إلي أبي بكر‏,‏ وأسلم علي يده‏,‏ وأخبره بقصة الراهب‏.,‏ ابن سعد‏]‏ فكان من السابقين إلي الإسلام‏,‏ أحد الخمسة الذين أسلموا علي يد أبي بكر‏.‏
ورغم ما كان لطلحة من ثراء ومال كثير ومكانة في قريش فقد تعرض لأذي المشركين واضطهادهم مما جعله يهاجر إلي المدينة حين أذن النبي‏(‏ للمسلمين بالهجرة‏,‏ وجاءت غزوة بدر لكنه لم يشهدها‏,‏ وقيل إن الرسول‏(‏ أرسله في مهمة خارج المدينة وحينما عاد ووجد المسلمين قد عادوا من غزوة بدر‏,‏ حزن طلحة حزنا شديدا لما فاته من الأجر والثواب‏,‏ لكن الرسول‏(‏ أخبره أن له من الأجر مثل من جاهد في المعركة‏,‏ وأعطاه النبي سهما ونيبا من الغنائم مثل المقاتلين تماما‏.‏
ثم شهد طلحة غزوة أحد وما بعدها من الغزوات‏,‏ وكان يوم أحد مشهودا‏,‏ أبلي فيه طلحة بلاء حسنا حتي قال عنه النبي طلحة شهيد يمشي علي وجه الأرض‏,‏ ابن عساكر‏].‏
وحينما نزل قول الله تعالي‏‏ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا‏)‏ الأحزاب‏:23],‏ قال النبي طلحة ممن قضي نحبه‏,‏ الترمذي‏].‏
وحينما حدث اضطراب في صفوف المسلمين‏,‏ وتجمع المشركون حول رسول الله كل منهم يريد قتله‏,‏ وكل منهم يوجه السيوف والسهام والرماح تجاه الرسول إذا بطلحة البطل الشجاع يشق صفوف المشركين حتي وصل إلي رسول الله‏,‏ وجعل من نفسه حصنا منيعا للنبي‏,‏ وقد أحزنه ما حدث لرسول الله من كسر رباعيته‏(‏ أي مقدمة أسنانه‏),‏ وشج رأسه‏,‏ فكان يتحمل بجسمه السهام عن رسول الله‏,‏ ويتقي النبل عنه بيده حتي شلت يده‏,‏ وشج رأسه‏,‏ وحمل رسول الله علي ظهره حتي صعد علي صخرة‏,‏ وأتاه أبوبكر وأبو عبيدة‏,‏ فقال لهما الرسول‏:‏ اليوم أوجب طلحة يا أبا بكر‏,‏ ثم قال لهما‏:‏ عليكما صاحبكما فأتيا إلي طلحة فوجداه في حفرة‏,‏ وبه بضع وسبعون طعنة ورمية وضربة‏,‏ وقد قطعت إصبعه‏.‏
وكان أبوبكر الصديق إذا ذكر يوم أحد قال‏:‏ ذاك يوم كله لطلحة‏,‏ وقد بشره الرسول بالجنة وقد بلغ طلحة مبلغا عظيما في الجود والكرم حتي سمي بطلحة الخير‏,‏ وطلحة الجواد‏,‏ وطلحة الفياض‏,‏ ويحكي أن طلحة اشتري بئر ماء في غزوة ذي قري‏,‏ ثم تصدق بها‏,‏ فقال رسول الله‏:‏ أنت طلحة الفياض الطبراني‏,‏ ومن يومها قيل له طلحة الفياض‏.‏
وقد أتاه مال من حضرموت بلغ سبعمائة ألف‏,‏ فبات ليلته يتململ‏,‏ فقالت له زوجته‏,‏ مالك؟ فقال‏:‏ تفكرت منذ الليلة‏,‏ فقلت‏:‏ ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته‏,‏ فأشارت عليه أن يقسم هذا المال علي اصحابه وإخوته‏,‏ فسر من رأيها وأعجب به‏,‏ وفي الصباح‏,‏ قسم كل ما عنده بين المهاجرين والأنصار‏,‏ وهكذا عاش حياته كلها كريما سخيا شجاعا‏.‏
واشترك في باقي الغزوات مع النبي ومع أبي بكر وعمر وعثمان‏,‏ وحزن حزنا شديدا حينما رأي مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه واستشهاده‏,‏ واشترك في موقعة الجمل مطالبا بدم عثمان وبالقصاص ممن قتله‏,‏ وعلم أن الحق في جانب علي‏,‏ فترك قتاله وانسحب من ساحة المعركة وفي أثناء ذلك أصيب بسهم فمات‏.‏
وتزوج طلحة ـ رضي الله عنه ـ أربع نسوة‏,‏ كل واحدة منهن أخت لزوجة من زوجات النبي‏,‏ وهن‏:‏ أم كلثوم بنت أبي بكر‏,‏ أخت عائشة‏,‏ وحمنة بنت جحش أخت زينب‏,‏ والفارعة بنت أبي سفيان أخت أم حبيبة‏,‏ ورقية بنت أبي أمية أخت أم سلمة‏.‏
وقد ترك طلحة تسعة أولاد ذكور وبنتا واحدة‏,‏ وروي عن النبي أكثر من ثلاثين حديثا‏.‏